سورة التوبة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله عز وجل {بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} في ترك افتتاح هذه السورة ب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قولان:
أحدهما: أنها والأنفال كالسورة الواحدة في المقصود لأن الأولى في ذكر العهود،
والثانية في رفع العهود، وهذا قول أُبي بن كعب قال ابن عباس: وكانتا تدعيان القرينتين، ولذلك وضعتا في السبع الطول.
وحكاه عن عثمان بن عفان.
الثاني: أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أمان، وبراءة نزلت برفع الأمان، وهذا قول ابن عباس، ونزلت سنة تسع فأنفذها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليقرأها في الموسم بعد توجه أبي بكر رضي الله عنه إلى الحج، وكان أبو بكر صاحب الموسم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يُبِلِّغُ عَنِّي إِلاَّ رَجُلٌ مِنِّي» حكى ذلك الحسن وقتادة ومجاهد.
وحكى الكلبي أن الذي أنفذه رسول الله صلى لله عليه وسلم من سورة التوبة عشر آيات من أولها.
حكى مقاتل أنها تسع آيات تقرأ في الموسم، فقرأها علي رضي الله عنه في يوم النحر على جمرة العقبة.
وفي قوله تعالى {بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وجهان:
أحدهما: أنها انقطاع العصمة منهما.
والثاني: أنها انقضاء عهدهما.
ثم قال تعالى {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} وهذا أمان.
وفي قوله {فَسِيُحواْ فِي الأَرْضِ} وجهان:
أحدهما: انصرفوا فيها إلى معايشكم.
والثاني: سافروا فيها حيث أردتم.
وفي السياحة وجهان:
أحدهما: أنها السير على مهل.
والثاني: أنها البعد على وجل.
واختلفوا فيمن جعل له أمان هذه الأربعة الأشهر على أربعة أقاويل:
أحدها: أن الله تعالى جعلها أجلاً لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنه أقل من أربعة أشهر ولمن كان أجل أمانه غير محدود ثم هو بعد الأربعة حرب، فأما من لا أمان له فهو حرب، قاله ابن إٍسحاق.
والثاني: أن الأربعة الأشهر أمان أصحاب العهد من كان عهده أكثر منها حط إليها، ومن كان عهده أقل منها إليها، ومن لم يكن له من رسول الله عهد جعل له أمان خمسين ليلة من يوم النحر إلى سلخ المحرم لقوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} قاله ابن عباس والضحاك وقتادة.
والثالث: أن الأربعة الأشهر عهد المشركين كافة، المعاهد منهم وغير المعاهد، قاله الزهري ومحمد بن كعب ومجاهد.
والرابع: أن الأربعة ألاشهر عهد وأمان لمن لم يكن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ولا أمان، أما أصحاب العهود فهم على عهودهم إلى انقضاء مددهم، قاله الكلبي. واختلفوا في أول مَدَى الأربعة الأشهر على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن أولها يوم يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر، وآخرها انقضاء العاشر من شهر ربيع الآخر، قاله محمد بن كعب ومجاهد والسدي.
والثاني: أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، قاله الزهري.
والثالث: أن أولها يوم العشرين من ذي القعدة، وآخرها يوم العشرين من شهر ربيع الأول، لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك اليوم ثم صار في السنة الثانية في العشر من ذي الحجة وفيها حجة الوداع، لأجل ما كانوا عليه في الجاهلية من النسئ، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم فيه حتى نزل تحريم النسئ وقال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ»
{وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ} أي لا تعجزونه هرباً ولا تفوتونه طلباً.
{وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بالسيف لمن حارب والجزية لمن استأمن.
والثاني: في الآخرة بالنار.


قوله عز وجل {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ} في الأذان ها هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه القصص، وهذا قول تفرد به سليمان بن موسى النشابي.
والثاني: أنه النداء بالأمر الذي يسمع بالأذن، حكاه علي بن عيسى.
الثالث: أنه الإعلام، وهذا قول الكافة.
وفي {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه يوم عرفة، قاله عمر بن الخطاب وابن المسيب وعطاء. وروى ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة وقال: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ»
والثاني: أنه يوم النحر، قاله عبد الله بن أبي أوفى والمغيرة بن شعبه وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي.
وروي مرة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: خطبنا رسول الله صلى عليه وسلم على ناقته الحمراء وقال «أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟ يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ».
والثالث: أنها أيام الحج كلها، فعبر عن الأيام باليوم، قاله مجاهد وسفيان، قال سفيان: كما يقال يوم الجمل ويوم صفين، أي أيامه كلها.
أحدها: أنه سمي بذلك لأنه كان في سنة اجتمع فيها حج المسلمين والمشركين، ووافق أيضاً عيد اليهود والنصارى، قاله الحسن.
والثاني: أن الحج الأكبر القِران، والأصغر الإفراد، قاله مجاهد.
والثالث: أن الحج الأكبر هو الحج، والأصغر هو العمرة، قاله عطاء والشعبي.


قوله عز وجل {فَإِذا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} الآية. في الأشهر الحرم قولان:
أحدهما: أنها رجب وذو العقدة وذو الحجة والمحرم، ثلاثة سرد وواحد فرد، وهذا رأي الجمهور.
والثاني: أنها الأربعة الأشهر التي جعلها الله تعالى أن يسيحوا فيها آمنين وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع عشر من شهر ربيع الآخر، قاله الحسن.
{فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} فيه قولان:
أحدهما: في حل أو حرم.
والثاني: في الأشهر الحرم وفي غيرها. والقتل وإن كان بلفظ الأمر فهو على وجه التخيير لوروده بعد حظر اعتباراً بالأصلح.
{وَخُذُوهُم} فيه وجهان:
أحدهما: على التقديم والتأخير، وتقديره فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم.
والثاني: أنه على سياقه من غير تقديم ولا تأخير، وتقديره: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم.
{وَاحْصُرُوهُم} على وجه التخيير في اعتبار الأصلح من الأمرين.
وفي قوله {وَاحْصُرُوهُم} وجهان:
أحدهما: أنه استرقاقهم.
والثاني: أنه الفداء بمال أو شراء.
{وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يطلبوا في كل مكان فيكون القتل إذا وجدوا، والطلب إذا بعدوا.
والثاني: أن يفعل بهم كل ما أرصده الله تعالى لهم فيما حكم به تعالى عليهم من قتل أو استرقاق أو مفاداة أو منٍّ ليعتبر فيها فعل الأَصلح منها.
ثم قال تعالى {فَإِن تَابُواْ} أي أسلموا، لأن التوبة من الكفر تكون بالإسلام.
{وَأَقَامُواْ الْصَلاَةَ} فيه وجهان:
أحدهما: أي اعترفوا بإقامتها، وهو مقتضى قول أبي حنيفة، لأنه لا يقتل تارك الصلاة إذا اعترف بها.
الثاني: أنه أراد فعل الصلاة، وهو مقتضى قول مالك والشافعي، لأنهما يقتلان تارك الصلاة وإن اعترف بها.
{وَءَاتُوا الزَّكَاةَ} يعني اعترفوا بها على الوجهين معاً، لأن تارك الزكاة لا يقتل مع الاعتراف بها وتؤخذ من ماله جبراً، وهذا إجماع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8